الله على شعب مصر، والله احنا شعب جميل يبحث عن الفرحة بشق الأنفس، ويبحث عنها كمن يبحث عن وظيفة بالظبط.. اليوم والبارحة وغداً هي وصلة من الأفراح غير المنقطعة، وندعو الله أن يديمها علينا نعمة ويحفظها من الزوال.
وكأننا كنا نبحث عن أي أمل أو بصيص نور في الطريق لإقناعنا بأننا -عن جد- متفوقون في أي مجال، فجاء الفوز منقذاً، والفرح صادقاً، كما كانت الهتافات والتشجيع.. ولم تنم مصر ليلتها من فرط الفرحة، وخرج المواطنون للشوارع يتشاركون الغناء والرقص الذي لم ينته إلا ببزوغ فجر اليوم التالي..
وتأبى قلة متشرذمة متقوقعة على نفسها السكوت، والحقد بات واضحاً، فبعد انتهاء التشجيع والفرحة تصاعدت الأصوات على طريقة "قاسم السماوي" معلقة على السماء التي أمطرت ملايين على رأس لاعبينا الكرام، من لعب منهم ومن لم تطأ قدمه أرض الملعب طوال البطولة –اختيار مدرب وحظوظ– وهكذا صرخ فينا سائق التاكسي حين مر بجوارنا تاكسي آخر يضع علم مصر مفترشاً به سقف العربة، ويده لا تبارح الكلاكس كأنه تعرف عليه حديثاً وهو سعيد بهذا الانتصار التكنولوجي، ونظرت لسائقنا المبجل والذي احتقنت الدماء في وجهه، وشعرت ساعتها أننا لابد وأن ننطق الشهادة فقد قرر في نفسه أن تكون التوصيلة للدار الآخرة ليس إلا وبنظرة عابرة لمحت إحدى الجرائد على التابلوه وعلمت منها سبب هذا الغضب فقد صاح قائلا "احنا صوتنا يتنبح وهم يقبضوا، بتشجع على إيه يا أخويا هيدوك حاجة من الملايين اللي هياخدوها"، ولا حياة لمن تهاتي فالسائق شديد الغضب والحنق على الملايين التي سيأخذونها وفشلت كل محاولاتنا لاستعطافه أن يصب جام غضبه في موقع آخر غير دواسة البنزين...
الحق يقال فبالرغم من سعادتك بفوز مصر فوزاً مستحقاً لا خضار فيه (كوسة يعني) إلا أن التصريحات ربما تكون غير مراعية لمشاعر المواطنين.. فكل نصف ساعة مليون وهدية من فلان وأخرى من علان.. واستضافة لهم في دبي التي ربما تحاول أن تحصل على عقد عمل بها من الألفية السابقة!!!
لا أدري لماذا تذكرت الآن جملة الأديب الكبير "يوسف القعيد" حين تسلم جائزة "ساويرس" الأدبية، ومقدارها مائة ألف جنيه لا غير!! إنها كانت تكليلاً لعمله الأدبي لمدة ثلاثين عاماً من الكتابة المتواصلة!!! وضحكت حتى شك فيّ من حولي حين عرفت أن الرئيس ذهب لاستقبال اللاعبين في المطار.. في حين أن الرئيس بعث بـ"أحمد نظيف" لحضور مئوية جامعة القاهرة في حضور جميع علمائها الأجلاء!!! وصدّقت الآن مقولة "إن العلم لا يكيل بالبرنجان"!!
ليس هناك أي وجه للمقارنة.. ولكن لماذا لا يوجد مثل هذا الاهتمام الرهيب ببقية المجالات؟؟
على هامش الفوز:
تجلت عقلية المصريين المبتكرة دوماً.. فظهرت مئات الأغاني المهنئة بالفوز وأذيعت فور انتهاء المباراة، هذا بالإضافة طبعاً إلى خطابات التهنئة الرئاسية الجاهزة دوماً، وأكاد أجزم أن نقيضها كان موجوداً أيضاً في حالة عدم فوز الفريق.
أما المانشيتات الصحفية فكانت محضرة مسبقاً، في حالة الفوز فنحن فراعنة الفراعنة وشعب زي الفل، وإذا خسرنا فالحكم ظالم وغد يكره مصر ويتآمر علينا إيماناً بنظرية المؤامرة التي نحن واقعون في براثنها طوال الوقت، والقادم سيكون من باب التأليه لهؤلاء العمالقة الذين فازوا بالبطولة وانتزعوها من براثن الحشرات التي تملأ سماء غانا، ستجد صورهم في مختلف الميادين والإعلانات وعلى التيشيرتات وبقرار عاجل من وزير التعليم سيتم إضافة درس على المقررات "كيف تكون أبو تريكة؟"
أستطيع الآن أن أقول بفخر لو لم أكن مصرياً.. لوددت أن أكون لاعب كرة قدم!!